النص والسلطة والحقيقة
- الرقم التسلسلي: 978-9953-68-711-7
- سنة الإصدار: 2014
- السعر بالدولار: 10
ثمة قاعدتان أساسيتان يحسن الإشارة إليهما في منهج تحليل الخطاب، وذلك لأهميتهما في تحديد طبيعة “الإجراءات” التحليلية المستخدمة في هذا الكتاب. القاعدة الأولى أن الخطابات المنتجة في سياق ثقافي حضاري تاريخي ليست خطابات “مغلقة”، أو مستقلة عن بعضها. إن آليات “الاستبعاد” و”الإقصاء” التي يمارسها خطاب ما ضد خطاب آخر تعني “حضور” هذا الخطاب الآخر – بدرجات بنيوية متفاوتة- في بنية الخطاب الأول. هذا مع افتراض غيابه التام العمومي على مستوى “المنطوق” و”المفهوم”، لأن هذا الغياب ليس إلاّ عملية “تغييب” لتحقيق “الإقصاء”. فإذا أضفنا إلى ذلك، أن تلك الخطابات تشترك إلى حد كبير في طبيعة “الإشكاليات” التي تحدد منطوقها ومفهومها وبنيتها، أدركنا أن الحديث عن خطاب مستقل ليس إلاّ نوعاً من التبسيط الذي يفضي إلى تزييف الخطاب موضوع الدراسة.
القاعدة الثانية، أن كل الخطابات تتساوى من حيث هي خطابات؛ وليس من حق واحد منها أن يزعم امتلاكه للحقيقة، لأنه حين يفعل ذلك يحكم على نفسه بأنه خطاب “زائف”. قد يتمتع خطاب ما في سياق سياسي اجتماعي تاريخي بعينه بالذيوع والانتشار الذين يؤديان إلى سيطرته وهيمنته على الخطابات الأخرى، فيقوم بتهميشها وإلقائها خارج دائرة الضوء وبؤرة الاهتمام. لكن تاريخ الثقافة في كل المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن هذه السيطرة والهيمنة لخطاب بعينه كانت تتم من خلال عوامل القهر السياسي والإذعان الاجتماعي وتزييف الوعي في أحسن الأحوال. لذلك يبرأ منهج الخطاب هنا – قدر الإمكان – من الاستسلام لأوهام اليافطات المستقرة – تراثياً وإعلامياً – لوصف بعض الخطابات وصفاً يستهدف وضعها في قلب “الدين” ذاته. هذا بالإضافة إلى أن “الدين” ذاته ليس إلا مجموعة من النصوص التي تتحدد دلالتها – بدورها – بالسياق، وذلك بوصفها “خطاباً”. وكون الخطاب إلهياً – من حيث المصدر – لا يعني عدم قابليته للتحليل بما هو خطاب إلهي تجسّد في اللغة الإنسانية بكل إشكاليات سياقها الاجتماعي والثقافي والتاريخي.