إشراف وتحرير فتحي إنقزو
تتقاطع معاني التأويل في النصوص التي يحويها هذا الكتاب، وتنتظم بمقتضى تواتر يجعل المسائل مترتبة وموالية بعضها لبعض: ابتداءً بالتأويليات كسياق لتفكر «اليوم» الفلسفي، مهماتها الراهنة وآخر تعريفاتها لنفسها، وما به تنتسب إلى أصول هذا اليوم وتاريخيته، ترددها بين التأسيسات القديمة واستئنافاتها عند المعاصرين؛ وتأسيساتها الحديثة وما آلت إليه في تطوراتها الراهنة، ثم ما يتهدّد المعنى والحقيقة في زماننا من التلاشي تحت تأثير المخاطر المحيطة بالإنسان والمهددة للتماسك المنطقي للعالم نفسه؛ فضلاً عما يتصل بالعمل التأويلي من النماذج والممارسات التي تجعله أكثر من مجرد فن فلسفي للـفهم لا جذور له في التطبيق، وتربطه بالمراس الفعلي للترجمة، والعمل على اللغة وأشكال التواصل والعلاقة بالحداثة والتراث والزمنية التاريخية بوجه عام، بل نجده يترجم أيضاً في فن الكتابة، ولا سيما كتابة الذات كتمرين فينومينولوجي طريف. لنبلغ أخيراً بضرب من الرجعة إلى منابع وأصول تعلق السياق التأويلي بالخلفيات الدينية التي يستند إليها في بعض التجارب التأسيسية في الفكر الغربي، حيث تتقاطع فلسفة الدين وفلسفة التأويل في محاور بعينها لا تنفك من بناء صورة جديدة للإنسان جدة زمان يقبل على الناس بفتوحات كبرى. وكذلك الأمر في الفكر الإسلامي بما أمكن له من تأسيس تجارب أولية لمراس تأويلي عفوي في قلب التجربة النبوية، تطور بتطور النظرة إلى النص التأسيسي وصياغة منظومة من القواعد الصناعية والمنهجية لتفسيره وتأويله، حيث إن القرآن يصدق عليه أن يكون مكتفياً بنفسه، أو متأولاً نفسه بنفسه، وأن يكون في الوقت ذاته موضوعاً لما لانهاية له من التفسيرات والقراءات التي لا يغني تنازعها، ولا مبلغ التناقض بينها، عن الحاجة إليها لدى كل قراءة أخرى وكل ابتداء جديد.