القمع المقدس
القمع المقدس هو شكل من أشكال العنف الذي يمارس باسم المقدس، والذي يستند إلى مرجعية إبستمولوجية وسيكولوجية قوامها الإحساس الممتلئ بالطمأنينة والاصطفائية والاستعلاء على الآخرين، والإيمان الواثق بامتلاك الحقيقة المطلقة.
والقمع المقدس قمع شامل لا يشمل فقط حرية الإنسان الدينية أو العقائدية، ولكنه يشمل الباطن والظاهر، والخفي والمعلوم، والميت والحي، والروح والجسد، والعقل والوجدان، والديني والدنيوي. بكلمة واحدة، فإن هذا القمع يستهدف إحالة الدنيوي إلى ديني؛ أي إخضاع كل ما يخص تفاصيل الحياة الإنسانية إلى الرقابة الدينية، بدءاً من المفردات اللغوية والخطابات المختلفة والملبس والمأكل والمشرب وأنماط الحياة والعادات والتقاليد والفنون والأفكار والتخيلات وأسلوب العيش والعلاقة بين الرجل والمرأة… إلخ. إن هذا الشمولية القمعية لا تستثني شيئاً مهما كان تافهاً أو هامشياً من هيمنة سلطتها.
هذا الكتاب هو محاولة لكشف هذه العلاقة الخفية بين القمع والمقدس من خلال تحليل الآليات التي يستخدمها خطاب الإسلام السياسي من أجل فرض سيطرته وسلطانه على واقع سياسي بائس ومنحط، وعلى شعوب اعتادت القهر واستمرأت الخضوع وأدمنت صنع الآباء بكافة أطيافهم السياسية والتراثية واللاهوتية، ولم تزل تبحث لنفسها عن مخلص أو مخرج ينقذها من أزمتها الحضارية المتفاقمة.