القرآن ومطلب القراءة الداخلية سورة التوبة أنموذجاً
نعني بالقراءة الداخلية للقرآن الكريم، التركيز على قراءة مواضيعه وقضاياه بهدف إبراز رؤيته وتصوره المعرفي وفلسفته الأخلاقية لتلك المواضيع وللإنسان والعالم، بدءاً من أوّله حتى آخره، بدل إسقاط آراء ووجهات نظر وتصورات ومفاهيم معينة على القرآن من خارجه، وتوظيف بعض من آياته في الاستدلال على أن تلك الآراء هي تصور القرآن لذلك الموضوع من المواضيع. فالمقابل للقراءة الداخلية هي القراءة البرّانية التي تتحول معها آيات القرآن إلى دليل وحجة على هذا الرأي أو ذاك، أو لنصرة هذا المذهب على حساب مذهب آخر…، وقد تجد الآية الواحدة أحياناً يُستدلّ بها على رأيين متعارضين في الوقت ذاته، وبالتالي فالقراءة البرّانية غير واعية بالبعد المنهجي لأهمية الناظم المنهجي الذي يربط بين مجمل آيات القرآن وسوره، وهي بهذا، لا يمكن لها بأيّ وجه من الوجوه من حيث الفهم، أن تبلغ مقام القصدية والغائية والحكمة الكامنة بين دفتي ثنايا القرآن الكريم.
القراءة الداخلية، ليس المقصود منها الإعراض عن الخارج، سواء كان ذلك الخارج متّصلاً بالواقع والمحيط الاجتماعي والثقافي والحضاري الذي نزل فيه القرآن الكريم، أو السياق التاريخي الذي اجتهد فيه الأقدمون من علماء الإسلام في فهمهم للقرآن، أو الواقع والمحيط الاجتماعي والثقافي والحضاري الذي نحياه ونعيشه اليوم، أو كان ذلك الخارج متصلاً بالوجود والطبيعة وحركتها (الكون)، وما أقرته مختلف التخصصات العلمية في مختلف ميادين المعرفة.